رد الفعل العربى

العاطفة هى المحرك الرئيسى للانسان العربى ايا كان مستوى تعليمه أو ثقافته يستوى فى ذلك من لا يعرف الألف من كوز الذره بمن يحمل أعلى الدرجات العلمية
فعددا لا بأس به من المثقفين أو المواطنين الواعين المعبرين عن ذواتهم عن طريق الكتابة لا زالو يعيشون مرحلة ردود الأفعال ولا تنبع مواقفهم عن إيمان واقتناع ولكن غالبا ما تتشكل الآراء بفعل صدمة نفسية أو تجربة مريرة تعرض لها الكاتب لتتغلب المعاناة والمشاعر على التحليل والمنطق فتأتى المواقف متعصبة متشددة تفتقر للتقييم الهادئ لواقعنا المحبط .
فتجد كثيرا من المقالات شديدة اللهجة قاسية المحتوى مغرقة فى السطحية منطلقة كسيارة يقودها سائقها بسرعة جنونية تحت تأثير الشراب ! تنحو أقصى اليمين المهلل أو اقصى اليسار المعارض مبتعدة آلاف الأميال عن الأتزان والنقد الموضوعى الهادف.
فالكتابات العقلانية التى تستند إلى تحليل وتفكيك ومنطق وحجة فى الغالب لا تثير ردود الأفعال الغاضبة أو المؤيدة بقدر ما تثير داخلنا السؤال و تحثنا على التأمل والتفكير .
فهى لا تصوب مستهدفة المشاعر وانما تستهدف العقل والعقل طويل النفس يتحرك بهدوء وبطء لكنه يواصل المسار لفترات طويلة قاطعا المسافات بعكس العاطفة التي تتحرك بسرعة جنونية وتهمد بنفس السرعة.
لازالنا نعانى من قلة الكتابات المتأنية الهادئة تلك التى تفجر فيك متعة الاكتشاف ولذة المعرفة تلك التى تجبرك على أن تنحني لها احتراما رغم اختلافك مع مضمونها و فكر صاحبها وليست كالتي تخرجك عن شعورك قافزا مؤيدا أو غاضبا معارضا .
وللأسف أغلب مواقفنا وانتماءاتنا السياسية والحزبية والدينية لم تأتى وليدة معرفة وقراءة وتحليل وتأمل ولكنها في الغالب نتاج أمر واقع فرض علينا أو رد فعل انفعالي فأغلبنا على سبيل المثال ولد مسلما أو مسيحيا و انحشى رأسه بنصوص ومسلمات منذ الصغر وربما يمتد به العمر طويلا إلى أن يموت دون أن يحاول التفكير فى جملة واحده من الجمل التى برمج عليها أو يحاول النظر فى ديانته بموضوعية أو يتجرأ لنقد محتواها أو حتى من باب الفضول يسعى لفتح الكتب السماوية الأخرى للتعرف عليها ..
لا أدرى لماذا يقتنع الجميع أن الدين الذى ولد عليه هو الصواب وما عداه خطأ فيطمأن قلبه وينام ملء جفنيه فالمسيحي يرى المسلم على ضلال والمسلم يرى المسيحي على ضلال وكلاهما يشفق على الآخر ! و نادرا ما يقف الفرد العربي مفكرا في عقيدته إلا إذا تعرض لصدمة أو موقف معين تدفعه لمراجعة تلك العقيدة وبدلا من قراءتها بعين التحليل والنقد وتحت التأثير النفسي لتلك الصدمة ينقلب على عقيدته و ينهال عليها ضربا وركلا وسبا وشتما ! وحتى إذا وجدت مسلما يقرأ في المسيحية فهو يقرأها لا للمعرفة وحب الاكتشاف وإنما لتصيد الأخطاء ومهاجمة المسيحيين وكذلك بعض المسيحيين يحفظون القرآن أفضل من أي شخص مسلم فقط ليستشهدوا به في معركة الهجوم على الآخر ! أما المرأه المسكينة فى عالمنا العربى وعن واقع تجربة عايشتها معهن وجدت أغلبهن ممن يكتبن لمناصرتها تأتى كتاباتهن كصرخات معاناة وردود أفعال على مواقف ووقائع معينة عايشنها تمنعهم من الرؤيا السليمة , فمثلا من يعاملها زوجها بجفاء وقسوة ويضربها ويهينها قد تتحول إلى نصيرة لحقوق المرأة وعدوة للرجل حتى كلمة العداء للرجل انفعالية و غير دقيقة لأننا لا يمكننا اختزال كل الرجال فى نسخة كربونية واحدة والعداء هو للفكر الذكورى المتكلس وليس كل الرجال ذكورا أو كل الذكور رجالا . صديقة أخرى مسيحية الديانة أرتدت عن المسيحية واعتنقت الإسلام كرد فعل عن منع الطلاق فى المسيحية وللزواج بمسلم احبته ! وهناك من بلغت سنا معينا دون زواج فتجدها تحولت إلى عداوة وكره الرجال وانضمت للمدافعات عن حقوق المرأة وعندما تتزوج فأنها تترك المجال منسحبة من المعركة ! ومن تعيش في بلد متشدد يفرض عادات وتقاليد بدائية باسم الإسلام كالنقاب ومنع الاختلاط و الحرمان من ابسط الحقوق مثل ارتياد السايبرات أو قيادة السيارات تنقلب معادية للإسلام كرد فعل لما تتعرض له من اضطهاد وقمع مع أن جارتها في مصر وتونس والمغرب ولبنان ترتدي أحدث صيحات الموضة وتقود السيارات والموتوسيكلات بل والقطارات رغم وجودها فى دول اسلامية ! فلا تكلف نفسها عناء السؤال عن سبب هذا التفاوت ولكنها اختارت أول المشتبه بهم وحاكمته ! تلك الفئة من النساء مشكلتهن ليست مع الدين ولكن فى الغالب مشكلتهن الأساسية مع النظام السياسي الذى يحكم البلاد ويسيطر عليها متخذا الدين غطاءا شرعيا لتبرير سلوكه وإرساء قواعد ملكه .
فلو حدث انقلابا فى السعودية مشابها للانقلاب التركي للنظام فستنال أغلب السعوديات كثيرا من حقوقهن المسلوبة وحينها لن ينقلبوا على الإسلام ! أخرى ترتد عن الإسلام بعد أن يتزوج زوجها عليها فترى أن الإسلام هو من أباح له الزواج وشرع الله هو السلاح الذي طعنها ولكن لو نظرت تلك السيدة للموضوع بتأمل فستجد أن زوجها هو الذي طعنها وليس الإسلام فحتى لو كان الإسلام مشرعا لتعدد الزوجات فهو لم يأتي فارضا له لكن الزوج هو من تذرع بالتعدد ليجرح زوجته ويهينها وان دل هذا على شئ فإنما يدل على عدم المبالاة بمشاعرها لأنه ببساطة لا يحبها فلو كان يحبها لما تجرأ على جرحها و لي صديق مسلم متزوج منذ أكثر من 10 سنوات من إنسانة يحبها تعانى من مشاكل في الإنجاب ومع هذا لم يفكر أبدا في الزواج من أخرى ولكنه صبر متمسكا بزوجته وراضيا بنصيبه إلى أن رزق بالمولود . و حتى لو لم يشرع الإسلام التعدد فالزوج الذي لا يحترم مشاعر زوجته ولا يعرف قيمة الوفاء ستجده يعدد العشيقات وتلك الظاهرة منتشرة في الشرق والغرب على السواء دون الحاجة لتكبد أعباء الزواج الثاني وتكاليفه , وتختلف الأشكال والمسميات ويبقى التعدد واحد! وهنا فى موقع الحوار المتمدن نجد أحد الكتاب وتلك حريته الشخصية يهيم عشقا بامرأة رغم زواجه ويعارض الإسلام ويندد بتعاليمه وعلى رأسها تعدد الزوجات لكنه فى ذات الوقت لا يعترض على العشق وتعدد العشيقات ! مع أن كلاهما يطعن فى كرامة المرأة ويؤذى مشاعرها, إذا العيب في شخصية وسلوك شريك الحياة أكثر من كونه عيبا في دين معين فلو اجتمعت الأديان آمرة رجل بالزواج على زوجته وهو يحبها ويخاف عليها فلن يتزوج بأخرى .. كما أن يد المشرع والقانون قد تطال تعدد الزوجات فتجرمه كما هو الحال فى تونس والمناقشات الدائرة فى مصر والمغرب . حق الطلاق ايضا الذى كان حكرا على الرجال قد تمتد يد القانون مشرعة قوانين تحمى المرأة وتعطيها الحق فى الطلاق كقانون الخلع رغم التحفظات. ليقع اللوم الأكبر على النظام السياسى الذى يفرض التشدد ليحمى مصالحة اكثر منه على الدين فعندما خلعت هدى شعراوى نقابها لم ترتد عن الإسلام ولم تدعو النساء للارتداد وانما كان نضالها ضد الفكر المكرس لعبودية المرأه و المتستر خلف الإسلام. لا انتقد الارتداد عن الإسلام أو المسيحية في حد ذاته فللجميع الحق في اختيار العقيدة التي تناسبه أو رفض العقيدة التي فرضت علية ولكنى هنا انتقد الانتماء الفكري الذي لا يستند على أساس متين وإنما يأتي كحالة طارئة ورد فعل انفعالي عاطفي يزول بزوال السبب.. فبعض النساء ممن يخنقهن النقاب وكان دافعا لهن للارتداد الدينى أو الكتابة عن حقوق المرأة المسلوبة لو تزوجت بشخص آخر معتدل أو هاجرت إلى بلد لا يفرض زيا على نساؤه فستتوقف عن مساندة حقوق المرأه و تتوقف عن التنديد بالإسلام ! و فى الغالب تجد المرأة السعيدة في حياتها الزوجية لا تفكر كثيرا فى حقوق المرأة ولا تهاجم شرائع الإسلام ولا تفكر في الانقلاب عليها! وكثيرا ما تجد المرأه العربية على دين زوجها فمن كان زوجها أخوانى او قومى أو علمانى تتحول الى القومية أو العلمانية فمعرفتى بكاتبات متألقات يروجن لشعارات براقة ويصدرن مقالات قوية لكنها للأسف نتاج تبعية وليس اختيار .لم تصل المرأه بعد نتيجة لظروف قهرية وواقع مؤلم للمرحلة التى تمكنها من تحديد موقفها وموقعها ككيان منفصل فكريا عن زوجها . لا أنكر حق المظلوم في الانتفاض على الظالم ولكنى أدعو إلى اخذ النفس والتأمل فى الحال ومعرفة الأبعاد التي أدت بنا إلى هذا الواقع لنخرج من دائرة الفل ورد الفعل فى محاولة لفك التشابك وتتبع الخيوط فالعاطفة قد تشعل ثورة تأكل الأخضر واليابس لكنها لا تصنع فكرا ولا تبنى حضارة. شخصيا أتردد فى الكتابة فى موضوع المرأة الشائك فعندما امسك بقلمى لأكتب فى قضية حساسة ينفجر بداخلى طوفان من المشاعر المختلفة فألقى سريعا بقلمى على الطاولة ولا استطيع مواصلة الكتابة . لإيماني بأن الكاتب الجيد هو من يكون قلمه كمشرط الجراح تمسكه يدا هادئة لإجراء جراحة ناجحة وهذا ما افتقده ويفتقده الغالبية . أما المثقف فى عالمنا العربى فيذكرنى بشخصيات نجيب محفوظ المرسومه بعناية وإن كان يفتقد الطاربوش والمنشه ولقب أفندى . فالمثقف اليوم كلمة مرادفه للقارئ فمن قرأ بنهم عدد من الكتب وحفظ وردد كلمات لكبار الفلاسفة والكتاب مثل ارسطو وسقراط وفولتير وهوجو وهيجل وفرويد وغيرهم أصبح مثقفا ,من يرص الكلمات البراقة ويستشهد بالجمل الرنانة و ينعزل فى برجه العاجى عن مجتمعة ومشاكلة أصبح مثقفا ! حتى هذا الوصف بات ترفا من الماضى فمثقف اليوم هو من يقرأ كتاب لا تحزن لعائض القرنى أو الصبر والذوق لعمرو خالد !
لم يعد المثقف ذاك الشخص الذى يحدث تأثيرا فعالا ويحرك المياه الراكدة على ارض الواقع , مساهما فى خلق الوعى و مطوعا خلاصة قراءاته وتجاربه فى خدمة قضايا وطنه . ولعل غياب الحكمة كشرطا من شروط الثقافة ساهم فى تكاثر نموذج المثقف السفيه ! ففى احدى المرات تحدثت مع شخص لمدة نصف ساعة لم يقل لى فيها جمله واحده صادره عن رأى شخصى لكنه كان يردد كالببغاء بمناسبة أوبدون مناسبة هيجل قال وفولتير قال وارسطو قال وبرنارد شو قال فما كان منى إلا أن رددت عليه وأنت ماذا تقول أليس لك رأيا شخصيا أين رأيك ؟ ومثقف آخر أردني طوال معرفتى به التى تربو على 4 سنوات لم يتكلم معى مرة واحدة بلهجة بلده العامية حتى أننى شككت فى أن تكون اللغة العربية الفصحى هى المتداولة فى الأردن ! فلفت نظرة مرارا لتلك النقطة لكنه كان مصرا وعندما تنازل وتكلم العامية تكلم بلهجة مصرية ! لأن الفصحى أو العامية المصرية فى نظرة هى لغة الحوار بين المثقفين ولا ينبغي أن يتدنى المثقف وينحدر ليتكلم بلغة يتداولها الرعاع والعامة ! ومثقف ثالث في أول تعارفي به قال لي هل قرأت كتاب كذا فنفيت فقال إذا قرأت كتاب ذاك فنفيت أيضا فأضاف متعجبا عددي لي أسماء الكتب التي قرأتيها فقلت له ساخرة كتاب أبله نظيره للطبخ وكفى فرد أمال ازاى مثقفه قلت له مين قالك انى مثقفه فرد امال ازاى بتكتبى فى المواقع المختلفة قلت له فراغ !
حادث مروه الشربينى فجر ردود أفعال انفعالية فى الشارع المصرى و بدلا من تسليط الضوء على مرض العنصريه العضال الذى أودى بحياة القتيلة وانتهاز الفرصه لرفضه واستنكاره تم استخدامه لشحن مشاعر الكره والعداء ضد الغرب أى تم أستخدامه لتكريس ونشر فكر القاتل العنصرى رغم استنكارهم للجريمة ! فإن كانت العنصريه فى الغرب موجودة فهى مجرمة بفعل القانون ومستهجنة من الأغلبية . أما فى الشرق فهى منهج حياه (يباركه القانون !) وخطابا يوميا فى الكنائس و المساجد ودعوات على النصارى واليهود ونعتهم بأحط الصفات كالقردة والخنازير عنصرية فى أبشع صورها ضد العرق الأسود والأبيض معا ضد المرأه وضد الاقليات بل عنصرية فى نفس العرق والدين ضد أصحاب المذاهب المختلفة أو عنصرية ضد الطبقات الفقيرة و احيانا تمتد العنصرية لتكون ضد بعضنا بعضا متمثلة فى منع المصريين لمصريين مثلهم من الدخول لأماكن معينة واقتصارها على الأجانب أو منح الأجانب امتيازات على حساب أهل البلاد! مثقف من (إخوانا اياهم ) اتصل بى بعد حادث مقتل مروه الشربينى ورغم علمه باقامتى فى فرنسا سألنى بانفعال شديد (محاولا تحريضى على القيام بثورة ضد قارة أوروربا ) كنتى فين لما قتلو مروه الشربينى ؟؟؟؟؟
فسكت لبرهة لستغرابى السؤال ولنفعاله المبالغ فيه و أجبته بقتضاب:كنت فى الحمام ...
يتبع
هذه رساله جائتنى على ميلى ردا على ميل ارسلته الى بعض الاصدقاء والكتاب احتسب الشهيده مروه الشربينى شهيده الحجاب عند الله ولا نزكيها على الله ورغم اعجابى الشديد بالرساله الا اننى اختلف معها فى بعض النقاط ويسعدنى ان اتلقى تعليقاتكم على المقال ولى تعقيب ان شاء الله

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • Twitter
  • RSS